
أتابع نشرة الأخبار يومياً منذ بداية الهجمة البربرية الإسرائيلية على غزة.. أشاهد جثث الشهداء.. أسمع آهات الجرحى.. صرخات الأمهات والأرامل.. وبكاء الأطفال.. كل هذا عبر شاشة التفلزيون، لكن أن أراه بعيني وأقف أمام أحد الجرحى من أهلنا في فلسطين.. فكان ذلك أمر مختلف تماماً. وقفت أمامه فشعرت أنني أنا الجريح، وأنا المريض وهو بطل لم تنل صواريخ إسرائيل من همته ولا عزمه هو يردد: "هذه أرضنا ولن نرحل عنها".
هذه الكلمات هي التي جعلتني أفهم كيف صمد شعب غزة طوال 22 يوماً من القصف الإسرائيلي المتواصل وهو في كل لحظة يودع شهيداً أو يداوي جريحاً أو يقاوم لكي ينتزع حريته وكرامته.
اسمه سميح أحمد ويعمل متطوعاً في المستشفيات في بلدة بيت حانون، كغيره من الآلاف من الفلسطينيين يكافح لكي يغطي احتياجات أسرته في ظل ظروف جعلها الاحتلال الإسرائيلي شبه مستحيلة.
ويروي لنا سميح ما حدث له مع 3 صواريخ دمرت منزله واستشهد ابنه أحمد (18 سنة): " في مساء يوم السبت 3 يناير سمعنا أن جنود الاحتلال بدأوا في الهجوم البري على غزة، فأسرعنا بالخروج من المنزل لكي نقوم بواجبنا ونقدم كل ما في استطاعتنا، ولكن الطيران الإسرائيلي قصف المنزل بثلاثة صواريخ حيث أصابني الأول بشظايا وحروق في الوجه والكتف، وأصاب الصاروخ الثاني ابني وحول جسده إلى أشلاء، وأما الصاروخ الثالث فأصابني في رجلي وذراعي".
قام المسعفون على الفور بنقل سميح إلى مستشفى كمال عدوان المتخصصة في العظام بجباليا، ولم يجد الأطباء حلاً سوى بتر ساقه اليسرى، وقاموا بإخراج الشظايا من كتفه ووجهه إضافة لوضع ذراعه اليمنى في الجبس لوجود 4 كسور، ورأى الأطباء أنه ربما تكون له فرصة في النجاة من بتر ساقه اليمنى لو تلقى العلاج خارج فلسطين المحتلة لعدم توفر الإمكانات.
ويقول سميح أنه انتقل من المستشفى في جباليا إلى معبر رفح ومنه إلى مطار العريش حيث تم نقله يوم الخميس 8 يناير بطائرة طبية مجهزة إلى مستشفى الشئون الصحية بالحرس الوطني في الرياض.
وفي مطار الرياض كانت كل الإمكانيات متوفرة لنقل جرحى فلسطين إلى مستشفى الشئون الصحية بالحرس الوطني، وكانت هناك حالة من التأهب والاستعداد لاستقبالهم وتوفير كل الإمكانيات لهم إضافة لتجهيز استضافتهم ومن يرافقهم لحين شفاءهم التام بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وقام الفريق الطبي بالشئون الصحية بإجراء أكثر من عملية لسميح كانت الأولى في القدم اليسرى المبتورة لمعالجة ما بها من أضرار، والثانية في الساق اليمنى حيث تم عملية تثبيث للعظام عن طريق الشرائح المعدنية، إضافة لمعالجة ذراعه اليسرى ومعالجة الجروح والحروق التي أصابت وجهه وكتفه.
ورغم الحالة الصحية التي يعاني منها سميح إلا إنه يرفض تناول الطعام ويعيش على الماء والعصير حتى لا يجهد من معه في دخوله إلى الحمام.
عندما كنت أتحدث معه كان يحاول جاهداً أن يرسم ابتسامة على وجهه ولا أعلم هل يخفي بها آلامه ومرارة ما يشعر به وما يشاهده أمام عن أخبار أهله ويسمع أن عدد الشهداء وصل إلى 1315 شهيد و5300 جريح إضافة إلى مئات المنازل التي تم تدميرها.
ودعته وأنا أرسم ابتسامة على وجهي أخفي بها خجلي وعجزي عن فعل شئ سوى الدعاء لأهلنا في غزة وفلسطين المحتلة أن ينصرهم الله ويشفي جريحهم ويتقبل شهداءهم.